الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومنه قول الآخر حسان بن ثابت: الطويل:
وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في {جعلنا وأنشأنا} و{النطفة} تقع في اللغة على قليل الماء وعلى كثيره، وهي هنا لمني ابن آدم، و القرار المكين من المرأة هو موضع الولد، و المكين المتمكن فكأن القرار هو المتمكن في الرحم، و{العلقة} الدم الغريض، و{المضغة} بضعة اللحم قدر ما يمضغ، وقرأ الجمهور {عظامًا} في الموضعين، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {عظمًا} بالإفراد في الموضعين، وقرأ السلمي وقتادة والأعرج والأعمش بالإفراد أولًا وبالجمع في الثاني، وقرأ مجاهد وأبو رجاء وإبراهيم بن أَبي بكير بعكس ذلك، وفي قراءة ابن مسعود، {ثم جعلنا المضغة عظامًا وعصبًا فكسوناه لحمًا}، واختلف الناس في الخلق الآخر، فقال ابن عباس والشعبي وأَبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه، وقال ابن عباس أيضًا: خروجه إلى الدنيا، وقال قتادة عن فرقة: نبات شعره، وقال مجاهد: كمال شبابه وقال ابن عباس أيضًا: تصرفه في أمور الدنيا.قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التخصيص كله لا وجه له وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها {آخر}، وأول رتبة من كونه {آخر} هي نفخ الروح فيه، والطرف الآخر من كونه {آخر} تحصيله المعقولات، و تبارك مطاوع بارك فكأنها بمنزلة تعالى وتقدس من معنى البركة، وهذه الآية يروى «أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله: {آخر} قال: {فتبارك الله أَحسن الخالقين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت» ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل، ويروى أَن قائل ذلك هو عبدالله بن أَبي سرح وبهذا السبب ارتد، وقال أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد وفيه نزلت: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} [الأنعام: 93]، الآية وقوله: {أحسن الخالقين} معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئًا خلقه ومنه قول الشاعر: الكامل: وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، فقال ابن جريج: إنما قال: {الخالقين} لأَنه تعالى قد أذن لعيسى في أَن يخلق، واضطرب بعضهم في ذلك، ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع وإنما هي منفية الاختراع والإيجاد من العدم، ومن هذه الآية قول ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا الله أعلم، فقال عمر: ما تقول يا ابن عباس، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله خلق السماوات سبعًا، والأرضين سبعًا، وخلق ابن آدم من سبع، وجعل رزقه في سبع، فأراها في ليلة سبع وعشرين، فقال: آعجزكم أن تأتوا بمثل ما أتى به هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه. وهذا الحديث بطوله في مسند ابن أَبي شيبة فأراد ابن عباس بقوله خلق ابن آدم من سبع هذه الآية، وبقوله جعل رزقه في سبع قوله: {فأنبتنا فيها حبًا وعنبًا وقضبًا وزيتونًا ونخلًا وحدائق غلبًا وفاكهة وأبّا} [عبس: 27] الآية السبع منها لابن آدم والأب للأنعام والقضب يأكله ابن آدم ويسمن منه النساء هذا قول، وقيل القضب البقول لأنها تقضب فهي رزق ابن آدم، وقيل القضب والأب للأنعام والستة الباقية لابن آدم والسابعة هي الأنعام إذ هي من أعظم رزق ابن آدم.{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)}.{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من هذه الأحوال، وقرأ ابن أَبي عبلة {لمايتون} بالألف، و{تبعثون} معناه من قبوركم أَحياء، وهذا خبر بالبعث والنشور. اهـ. .قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {ولقد خَلَقْنَا الإِنسانَ} فيه قولان:أحدهما: أنه آدم عليه السلام.وإِنما قيل: {مِنْ سُلالة} لأنه استُلَّ من كل الأرض، هذا مذهب سلمان الفارسي، وابن عباس في رواية، وقتادة.والثاني: أنه ابن آدم، والسُّلالة: النطفة استُلَّت من الطين، والطين: آدم عليه السلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس.قال الزجاج: والسُّلالة: فُعالة، وهي القليل مما يُنْسَل، وكل مبنيٍّ على فُعالة يراد به القليل، من ذلك: الفُضالة، والنُّخَالة، والقُلامة.قوله تعالى: {ثُمَّ جعلناه} يعني: ابن آدم {نُطْفَةً في قَرار} وهو الرَّحِم {مكين} أي: حريز، قد هُيِّىءَ لاستقراره فيه.وقد شرحنا في سورة [الحج: 5] معنى النُّطفة والعَلقة والمُضغة.قوله تعالى: {فخَلَقْنا المُضغة عظامًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {عظامًا فكسونا العظام} على الجمع.وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {عَظْمًا فكسونا العَظْم} على التوحيد.قوله تعالى: {ثم أنشأناه خَلْقًا آخر} وهذه الحالة السابعة.قال على عليه السلام: لا تكون موؤودة حتى تمرَّ على التارات السبع.وفي محل هذا الإِنشاء قولان:أحدهما: أنه بطن الأم.ثم في صفة الإِنشاء قولان:أحدهما: أنه نفخ الروح فيه، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك في آخرين.والثاني: أنه جعْله ذكرًا أو أنثى، قاله الحسن.والقول الثاني: أنه بعد خروجه من بطن أُمه.ثم في صفة هذا الإِنشاء أربعة أقوال.أحدها: أن ابتداء ذلك الإِنشاء أنه استُهلَّ، ثم دُلَّ على الثدي، وعُلِّم كيف يبسط رجليه إِلى أن قعد، إِلى أن قام على رجليه، إِلى أن مشى، إِلى أن فُطم، إِلى أن بلغ الحُلُم، إِلى أن تقلَّب في البلاد، رواه العوفي عن ابن عباس.والثاني: أنه استواء الشباب، قاله ابن عمر، ومجاهد.والثالث: أنه خروج الأسنان والشَّعْر، قاله الضحاك، فقيل له: أليس يولَد وعلى رأسه الشعر؟ فقال: وأين العانة والإِبط؟.والرابع: أنه إِعطاء العقل والفهم، حكاه الثعلبي.قوله تعالى: {فتبارك الله} أي: استحق التعظيم والثناء.وقد شرحنا معنى {تبارك} في [الأعراف: 54]، {أحسنُ الخالِقين} أي: المصوِّرين والمقدِّرين.والخَلْق في اللغة: التقدير.وجاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر، إِلى قوله تعالى: {خَلْقًا آخر}، فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خُتمتْ بما تكلمتَ به يا ابن الخطاب».فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: {أحسنُ الخالقين} وقوله: {هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله} [فاطر: 3]؟فالجواب: أن الخلق يكون بمعنى الإِيجاد، ولا موجِد سوى الله، ويكون بمعنى التقدير، كقول زهير:فهذا المراد هاهنا، أن بني آدم قد يصوِّرون ويقدِّرون ويصنعون الشيء، فالله خير المصوِّرين والمقدِّرين.وقال الأخفش: الخالقون هاهنا هم الصانعون، فالله خير الخالقين.قوله تعالى: {ثم إِنكم بعد ذلك} أي: بعد ما ذُكر من تمام الخَلْق {لميِّتون} عند انقضاء آجالكم.وقرأ أبو رزين العقيلي، وعكرمة، وابن أبي عبلة: {لمائتون} بألف. قال الفراء: والعرب تقول لمن لم يمت: إِنك مائت عن قليل، وميت، ولا يقولون للميت الذي قد مات: هذا مائت، إِنما يقال في الاستقبال فقط، وكذلك يقال: هذا سيِّد قومه اليوم، فإذا أخبرتَ أنه يسودهم عن قليل؛ قلتَ: هذا سائد قومه عن قليل، وكذلك هذا شريف القوم، وهذا شارف عن قليل؛ وهذا الباب كلُّه في العربية على ما وصفتُ لك. اهـ. .قال القرطبي: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} فيه خمس مسائل:الأولى: قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} الإنسان هنا آدم عليه الصلاة والسلام؛ قاله قتادة وغيره، لأنه استُلّ من الطين.ويجيء الضمير في قوله: {ثم جعلناه} عائدًا على ابن آدم، وإن كان لم يُذكر لشهرة الأمر؛ فإن المعنى لا يصلح إلا له.نظير ذلك {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32].وقيل: المراد بالسلالة ابن آدم؛ قاله ابن عباس وغيره.والسلالة على هذا صفوة الماء، يعني المنيّ.والسلالة فُعالة من السَّل وهو استخراج الشيء من الشيء؛ يقال: سللت الشعر من العجين، والسيف من الغِمد فانسل؛ ومنه قوله:فالنطفة سُلالة، والولد سَليل وسُلاَلة؛ عنى به الماء يُسَلّ من الظهر سَلًا.قال الشاعر: وقال آخر: وقوله: {من طين} أي أن الأصل آدم وهو من طين.قلت: أي من طين خالص؛ فأما ولده فهو من طين ومنِيّ، حسبما بيناه في أول سورة الأنعام.وقال الكَلْبِيّ: السلالة الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك؛ فالذي يخرج هو السُّلالة.الثانية: قوله تعالى: {نُطْفَةً} قد مضى القول في النُّطْفة والعَلَقة والمُضْغة وما في ذلك من الأحكام في أول الحج، والحمد لله على ذلك.الثالثة: قوله تعالى: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} اختلف الناس في الخلق الآخر؛ فقال ابن عباس والشَّعْبِيّ وأبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه بعد أن كان جمادًا.وعن ابن عباس: خروجه إلى الدنيا.وقال قتادة عن فرقة: نبات شعره.الضحاك: خروج الأسنان ونباتُ الشعر.مجاهد: كمال شبابه؛ وروي عن ابن عمر.والصحيح أنه عام في هذا وفي غيره من النطق والإدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولات إلى أن يموت.الرابعة: قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله: {خَلْقًا آخَرَ} قال فتبارك الله أحسن الخالقين؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت».وفي مسند الطَّيَالِسِيّ: ونزلت {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} الآية؛ فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين؛ فنزلت {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين}.ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جَبَل.وروي أن قائل ذلك عبد الله بن أبي سَرْح، وبهذا السبب ارتد وقال؛ آتي بمثل ما يأتي محمد؛ وفيه نزل {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إلى وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله} [الأنعام: 93] على ما تقدم بيانه في الأنعام.وقوله تعالى: {تبارك} تفاعل من البركة.
|